السبت، 22 يونيو 2013

فى رحاب الكتب - مدخل الفقه الإسلامى 1



حاليا أستعد لخوض إمتحانات تيرم أول كلية الحقوق - دعواتكم بالتيسير والتوفيق - وبما أن المادة الأولى بعد غد وهى مدخل الفقه الإسلامى (تاريخ التشريع وأهم النظريات الفقهية) للدكتور محمد نجيب عوضين وجدت بعض الأسئلة وإجاباتها التى أظن أن من الأفضل مشاركتها مع الغير وسأقسمها إلى عدة أجزاء منعا للإطالة التى لا يحبذها البعض

اذكر أسباب وأهداف ووسائل جمع كل من أبى بكر وعثمان للقرآن الكريم ؟
الإجابــــة


« جمع أبى بكر للقرآن الكريم »

 
كان الرسول صل الله عليه وسلم يأمر كتاب الوحى بتدوينه وكان مفرقا فى الرقاع والجلد وسعف النخيل الا أن غالب حفظه كان فى صدور الحفاظ ، ولم تكن هناك نسخ مدونة مجمعه تغنى عن الحفاظ .
وما حدث فى عهد أبى بكر هو أنه فى حروب الردة بعد وفاة النبى صل الله عليه وسلم استشهد عدد كبير من حفاظ القرآن ، فخاف أبو بكر على القرآن من قلة حفاظه باستشهاد الكثيرين منهم. لذا فقد نصحه عمر بن الخطاب بذلك ، وما زال وراءه يقنع خوفه الذى نشأ عنده ، من أن فى هذا إحداث لأمر لم يفعله الرسول ، فبين له أن فى هذا الخير ، وظل وراءه حتى شرح الله صدره لذلك فكلف زيد بن ثابت وكان كاتب وحى رسول الله يتتبع القرآن فى الصدور ويكتبه ويجمعه ، وظل وراءه مع تردده وخوفه من هذه المهمة الجديدة حتى شرح الله صدره فتتبع القرآن وجمعه. واستقر ما جمعه عند أبى بكر ثم عند عمر وابنته حفصة رضى الله عنهم أجمعين . ويتضح من هذا العمل دقة صحابة رسول الله فى تطبيق تعاليمه والالتزام بمنهجه من ناحية ، وبيان سمة هذه الفترة الممثلة فى عدم إحداث أمر ليس للمسلمين حاجة اليه إلا للضرورة كما فعل أبو بكر .
والحقيقة أن هذا العمل ليس فيه استحداث : فقد كان صل الله عليه وسلم يأمر بكتابة القرآن الا أنه كـان مفرقـا ، غيـر مجتمـع ، فكـان أمـر أبـى بكـر بجمعهـا فى نسخـة مترابطة حتى لا يضيع منها شىء .
كذلك فإن زيدا بن ثابت لم يعتمد على حفظه وأنه كان من كتاب الوحى بل اعتمد على الصحف المكتوبة ، وصدور الحفاظ ، وأتم عمله فى علانية حتى تسهل مراجعته إذا قدر الخطأ ، وبهذا العمل استمر تأكيد وعد الله فى قوله " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ".


« جمع عثمان للقرآن فى هذا العهد »
الحدث الثانى الهام بصدد التعامل مع القرآن الكريم بمناسبة حفظه وتحقيق وعد الله بالمحافظة عليه ، والذى كان له فضل كبير حتى اليوم فى المحافظة على الشكل الصحيح المنزل به القرآن بتوحيد مصاحفه واجتماع الأمة كلها على شكل واحد للقرآن. ذلك أن القرآن كان ينزل على سيدنا محمد بلسان قريش أكبر قبائل العرب والذى من بينهم قام الاسلام ورجاله بنشر الدعوة . وتخفيفا من المولى عز وجل ورحمة بالمتلقين وتلطفا بهم كان ينزل القرآن بالوحى مع جبريل عليه السلام بلسان قبائل العرب المتعددة اللهجة . كلغة أهل اليمن وحمير وغيرها من اللهجات وكان القصد من ذلك تيسير حفظ القرآن ، وسهولة فهم معانيه ، حتى يرسخ ويتمكن من صدور الناس وعندها يقضى الله أمرا كان مفعولا وهو مما قدر وتم على يد عثمان بن عفان رضى الله عنه.

واذا سأل سائل لماذا لم يتم هذا فى عهد النبى صل الله عليه وسلم أو فى صدر عهد الخلفاء الراشدين ؟؟
والجواب : أن القرآن استمر نزوله حتى انتقال النبى صل الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى فكانت ضرورة نزوله حتى يكتمل بتلك اللهجات الى أن يتم حفظه ويتمكن فى صدورهم ثم يعقب ذلك توحيد اللسان أما صدر عهد الخلفاء فلم تظهر أسباب خطورة تعدد اللهجات بعد إنما كان كل الهم هو الحفظ والتدوين قبل أن يضيع من صدور الحفاظ بتفرقهم أو وفاتهم وهو ما تم على يد أبى بكر بالجمع مكتوبا فى مجموعة واحدة .
فما سبب التدوين فى عهد عثمان :
سبب هذا التدوين أنه نتيجة تعدد اللهجات الذى نزل بها الوحى بالقرآن حدث اختلاف قراء القرآن فى القراءة اختلافا أوشك أن يؤدى الى فتنة فى كتاب الله - بالاختلاف فى بعض أحرف القرآن تبعا لاختلاف اللغة - حتى وصل الأمر الى تفضيل بعض القراء قراءته على الآخر .
فلما بلغ ذلك عثمان رضى الله عنه ، عندما أخبره حذيفة بن اليمان الذى كان فى غزوة فأفزعه اختلاف الناس فى القراءة فقال لعثمان أدرك الناس قبل أن يختلفوا كما أختلف السابقون فى كتبهم من قبل ، فأرسل عثمان الى حفصة التى كانت كما سبق القول تحفظ النسخ المدونة فى عهد أبى بكر وحفظت عند أبيها عمر من بعده وطلب منها أن ترسلها إليه وأمر زيد بن ثابت صاحب الجمع الأول مع أصحابه وطلب منهم نسخها موحدة اللهجة طالما التوحيد فى الشكل قائم وقال لهم « إذا اختلفتم فى شىء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم حتى إذا ما تم النسخ رد عثمان الصحف الى حفصة وأرسل الى كل ناحية بمصحف وأمر بما سواه من القرآن المختلف لهجته فحرق ، وبهذا العمـل تم الأمن لكتاب الله والحفـاظ عليـه مـن أن يختلـف فيـه حـرف واستمـر هـذا العمـل بنتائجه المثمرة حتى اليوم » .
ويجب أن ننوه إلى خطأ شائع ونحن فى هذا المقام أن كثيرا من الناس ينسبون عملية الجمع على هذا النحو الذى أمر به عثمان بن عفان رضى الله عنه فيلتبس عليهم أو يتوهمون أن عثمان قد استحدث طريقة لجمع المصحف من عنده فيقولون المصحف العثمانى أو ذو الرسم العثمانى نسبة الى عثمان رضى الله عنه ولعل هذا من الخطأ فى الفهم مما شاع بين العامة وحاشا لله أن ينسب عثمان ذو النورين رضى الله عنه طريقة من عنده لجمع القرآن انما كل ما أمر به هو توحيد نسخ المصحف من تعدد اللهجات التى نزل بها لحكمة قد أدت الغرض منها بانتهاء نزوله وحفظه - وأمر بجمعه بلسان قريش الذى كان به النزول الرئيسى والأساسى وأضيف اليه الترخيص بالنزول بلهجات العرب تيسيرا لهم فكيف يقال بالرسم العثمانى ؟ أكان لعثمان رسم حتى ينسب اليه . فيمكن القول جمع عثمان للمصحف بلسان قريش - تفاديا للخلاف فى القراءة. ولم يخرج عمله عن جمع القراءات وتوحيدها منعا للاختلاف .
كما أن من جمع المصحف بأمر عثمان هم نفس كتاب الوحى زمن الرسول وهم من جمعوه زمن أبى بكر وهم زيد بن ثابت وأعوانه فليس هناك تغيير أو تجديد سوى توحيد الحرف