اليوم إنقطعت المياه فى العمل أثناء وضوئى فقمت بملأ كوب بلاستيك صغير من الكولدير وأنهيت وضوئى وتبقى جزء فى الكوب ولأن الماء بارد قمت بغسل وجهى مرة أخرى بما تبقى! توقفت للحظة مندهشاً والإندهاش نابع من أن كم الماء الذى استهلكه عادة فى الوضوء قد يكون حجم لترين تقريبا أو يزيد لأن المياه تتدفق من الصنبور طوال وضوئى كيف حدث هذا التقلص من لترين إلى أقل من 300 مللي ليتر ؟!
إنها الحاجة والندرة الحاجة إلى الوضوء وندرة الماء فالظروف هى التى تدفع الإنسان للتوفير أو التبذير
وبما أن الشئ بالشئ يذكر فرجعت بى الذاكرة إلى الوراء لأتذكر فترة الأجازة الصيفية خلال الدراسة حيث كنت أسهر ليلا وأنام نهاراً كعادتى معظمنا وكعادة كل بيت مصرى يحدث نقاش ديمقراطى على مستوى الأسرة بخصوص هذا الحال المائل ومن فترة لأخرى أستيقظ نتيجة عصبية الوالد أو الوالدة لعدم استيقاظنا حتى الظهيرة وفى إحدى المرات سألت السيد الوالد فلنفترض جدلا استيقظت كما تريد فى السابعة صباحا ماذا سأفعل؟! قال تذهب لتأتى بالجرائد وتقرأها فقلت له وهل هذا السبب كافى؟!
تمر الأيام وأنهى الجامعة واحتاج لإنهاء أوراق التجنيد ولأنى كنت أقيم خلال فترة الإجازة بقريتنا زاوية الناعورة مركز الشهداء المنوفية ونظراً لإقامتى بشرم الشيخ بصورة دائمة وصدور جميع أوراقى الحكومية منها سافرت إلى شرم الشيخ لتقديم نفسى لنقطة التجنيد ومعرفة الخطوات الواجب إتباعها ولنراجع فى عجالة خط السير الذى قطعته لإنهاء إجراءات التجنيد:
زواية الناعورة إلى طنطا = ساعتين
طنطا إلى شرم الشيخ = 9 ساعات مع راحة 4 ساعات
شرم الشيخ إلى طور سيناء = ساعة ذهاب بالإضافة لثلاث ساعات من السير على الأقدام بين قسم الشرطة ومكتب التجنيد تحت شمس أغسطس 2002 ثم من طور سيناء لشرم الشيخ = ساعة راحة 6 ساعات
شرم الشيخ إلى الزقازيق = 8 ساعات تم 9 ساعات داخل منطقة التجنيد وطلب منا العودة فى السابعة صباح اليوم التالى
ونظراً لأن الأمر كان مفاجئ لى قررت العودة إلى قريتنا كان على أخذ خط السير التالى
الزقازيق إلى بنها = ساعة ثم بنها إلى شبين الكوم = ساعة ثم شبين الكوم إلى زواية الناعورة = ساعة
وصلت قريتنا بعد معاناة من قلة النوم والطعام مع حيرة فى كيفية الإلتزام بموعد منطقة التجنيد فقررت الأسهل بالنسبة لوسائل المواصلات أن أسافر إلى القاهرة حيث يوجد مواصلة مباشرة من قريتنا إليها وهو ما يستدعى الإستيقاظ فجراً وبعد أخذ قسط من الراحة سافرت من زواية الناعورة إلى القاهرة = ساعتين
ثم من القاهرة إلى الزقازيق = ساعة ونصف تم قضاء 8 ساعات داخل منطقة التجنيد
ثم ساعتين عودة من الزقازيق عن طريق بنها وشبين الكوم
كل هذا تم خلال 3-4 أيام متتاليين وعلى عكس المتوقع فالكسل لم يكن عائقا بل كان مهيأ لتحمل هذا المجهود المفاجئ! ولهذا استغللت ما حدث لأقول لوالدى العزيزى أرايت عندما يكون هناك ما يستحق الإستيقاظ من أجله فلا أتأخر وظللت لفترة أذكرهم بهذا الأمر!
الهدف من هذا القصة أنه عندما يكون هناك ظروف تجبرك على أمر ما فإن الإنسان يتوائم ويتأقلم معها بغض النظر عن أسلوب حياته
الظروف تلعب دوراً فى جعلنا متأقلمين عاجلاً أم آجلاً لهذا ما يفرق مع الإنسان فعلا هو مدى تقبله للأمور دون الخضوع لها إن كان يستطيع مقاومتها على أن تكون مقاومته محسوبة دون كبر وتعند!
الظروف تشبه الأوانى والإنسان يشبه الماء غالبا ما يتخذ شكلها دون أن تغير من خصائصه لأن الطبع يغلب التطبع مهما حاول أن يتطبع!